فصل: باب ما لا يجوز من النفقة في القراض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما يجوز من الشرط في القراض

1359- قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضان وشرط عليه ان لا تشتري بمالي الا سلعة كذا وكذا او ينهاه ان يشتري سلعة باسمها قال مالك من اشترط على من قارض ان لا يشتري حيوانا او سلعة باسمها فلا باس بذلك ومن اشترط على من قارض ان لا يشتري الا سلعة كذا وكذا فان ذلك مكروه الا ان تكون السلعة التي امره ان لا يشتري غيرها كثيرة موجودة لا تخلف في شتاء ولا صيف فلا باس بذلك قال ابو عمر اختلف الفقهاء في المقارض يشترط عليه رب المال خصوص التصرف فقول مالك ما وصفنا‏.‏

وقال الشافعي لا يجوز ان يقارضه ويشترط عليه الا ان لا يشتري الا من فلان او الا سلعة واحدة بعينها او يشتري نخلا او دوابا فان فعل ذلك فذلك كله فاسد وان اشترط ان يشتري صنفا موجودا في الشتاء والصيف فذلك جائز وقال ابو حنيفة اذا اشترط على المقارض الا يشتري الا من فلان الا الرقيق او على ان لا يبيع ولا يشتري إلا الرقيق أو على ألا يبيع ولا يشتري الا بالكوفة كان ذلك على ما شرط ولا ينبغي ان يتجاوزه فان تعداه ضمن قال ابو عمر قول مالك - رحمه الله - في هذا الباب اعدل الاقاويل واوسطها لانه اذا قصر العامل على ما لا يوجد الا نادرا غبا فقد حال بينه وبين التصرف وهذا عند الجميع فساد في عقد القراض واذا اطلعه على صنف موجود لا يعدم فلم يحل بينه وبين التصرف ومذهب مالك والشافعي في هذا الباب سواء ومن اشترط عندهما على العامل في القراض الا يشتري الا سلعة بعينها - يعني - عين صنف او الا يشتري الا من فلان او يوقت في القراض وقتا ويضرب له اجلا فالقراض في ذلك كله فاسد وسياتي حكم القراض الفاسد في موضعه - ان شاء الله قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا واشترط عليه فيه شيئا من الربح خالصا دون صاحبه فان ذلك لا يصلح وان كان درهما واحدا الا ان يشترط نصف الربح له ونصفه لصاحبه او ثلثه او ربعه او اقل من ذلك او أكثر فاذا سمى شيئا من ذلك قليلا او كثيرا فان كل شيء سمى من ذلك حلال وهو قراض المسلمين قال ولكن ان اشترط ان له من الربح درهما واحدا فما فوقه خالصا له دون صاحبه وما بقي من الربح فهو بينهما نصفين فان ذلك لا يصلح وليس على ذلك قراض المسلمين قال ابو عمر لا اعلم خلافا انه اذا اشترط العامل او رب المال على صاحبه شيئا يختص به من الربح معلوما دينارا او درهما او نحو ذلك ثم يكون الباقي في الربح بينهما نصفين او على ثلث او ربع فان ذلك لا يجوز لأ نه يصير النصيب لتلك الزيادة مجهولا ولا يجوز عند جميعهم ذلك لان الاصل في القراض الا يجوز الا على نصيب معلوم ولا تخالف به سنة وبالله التوفيق‏.‏

باب ما لا يجوز من الشرط في القراض

1360- قال مالك لا ينبغي لصاحب المال ان يشترط لنفسه شيئا من الربح خالصا دون العامل ولا ينبغي للعامل ان يشترط لنفسه شيئا من الربح خالصا دون صاحبه ولا يكون مع القراض بيع ولا كراء ولا عمل ولا سلف ولا مرفق يشترطه احدهما لنفسه دون صاحبه الا ان يعين احدهما صاحبه على غير شرط على وجه المعروف اذا صح ذلك منهما ولا ينبغي للمتقارضين ان يشترط احدهما على صاحبه زيادة من ذهب ولا فضة ولا طعام ولا شيء من الاشياء يزداده احدهما على صاحبه قال فان دخل القراض شيء من ذلك صار اجارة ولا تصلح الاجارة الا بشيء ثابت معلوم ولا ينبغي للذي اخذ المال ان يشترط مع اخذه المال ان يكافئ ولا يولي من سلعته احدا ولا يتولى منها شيئا لنفسه فاذا اوفر المال وحصل عزل راس المال ثم اقتسما الربح على شرطهما فان لم يكن للمال ربح او دخلته وضيعة لم يلحق العامل من ذلك شيء لا مما انفق على نفسه ولا من الوضيعة وذلك على رب المال في ماله والقراض جائز على ما تراضى عليه رب المال والعامل من نصف الربح او ثلثه او ربعه او اقل من ذلك او اكثر قال ابو عمر قد تقدم معنى هذا الباب كله واضحا فيما مضى من كتاب القراض في الباب الذي قبل هذا او فيما قبله ولا يجوز من الشرط في القراض عند مالك واصحابه اشياء كثيرة فمنها ان يزداد احد المتقارضين على صاحبه زيادة على الحصة التي تعاملا عليها من الربح على ما ذكر مالك في هذا الباب وفي الذي قبله ومنها ان يعطيه المال قراضا على الضمان او على ان يعمل به إلى اجل او يدفع إليه المال على قراض منه او يشترط عليه الا يشتري الا من فلان او من متاع فلان او من عمل فلان او على الا يتحرى الا في حانوت بعينه او على ان يشتري به سلعة غير موجودة في الاغلب تخلف في شتاء او في صيف او على ان يسلف احدهما صاحبه سلفا او على ان يبيع احدهما من صاحبه سلعة او يهب له هبة او على ان لا ينفق منه ان سافر أو على أن يضع عنه نصف النفقة او على ان ينفق ولا يكتسي او على ان يكتسي ولا ينفق او على ان يدفع إليه مالين احدهما على النصف والاخر على الثلث او على ان لا يخلطهما او على ان يجعل معه حافظا يحفظ عليه او غلاما او ولدا يعلمه له او على ان يشترط زكاة الربح في المال وزكاة المال في الربح او على ان يبتاع بالمال دواب يطلب نسلها او شجرا يطلب ثمرتها او على ان يشتري بالمال سلعة يخرج بها إلى بلد يبيعها به او يقدم بها من البلد الذي ابتاعها فيه ومن هذه الوجوه ما قد اختلف فيه اصحاب مالك وغيرهم من العلماء ومنها ما يرد إلى قراض مثله ان وقع ومنها ما يرد إلى اخرة مثله نذكر من ذلك كله ما حضرنا ذكره بعون الله عز وجل ان شاء الله تعالى بعد ذكرنا ما رسمه مالك - رحمه الله - في هذا الباب قال مالك لا يجوز للذي يأخذ المال قراضا ان يشترط ان يعمل فيه سنين لا ينزع منه قال ولا يصلح لصاحب المال ان يشترط انك لا ترده الي سنين لاجل يسميانه لأ ن القراض لا يكون إلى اجل ولكن يدفع رب المال ماله إلى الذي يعمل له فيه فان بدا لاحدهما ان يترك ذلك والمال ناض لم يشتر به شيئا تركه واخذ صاحب المال ماله وان بدا لرب المال ان يقبضه بعد ان يشتري به سلعة فليس ذلك له حتى يباع المتاع ويصير عينا فان بدا للعامل ان يرده وهو عرض لم يكن له حتى يبيعه فيرده عينا كما اخذه قال ابو عمر اما القراض إلى اجل فلا يجوز عند الجميع لا إلى سنة ولا إلى سنين معلومة ولا إلى اجل من الاجال فان وقع فسخ ما لم يشرع العامل في الشراء بالمال فان كان ذلك مضى ورد إلى قراض مثله عند مالك واما الشافعي فيرد عنده إلى اجرة مثله وكذلك كل قراض فاسد هذا قوله وقول عبد العزيز بن ابي سلمة الماجشون‏.‏

وأما ابو حنيفة فقال في المضاربة إلى اجل انها جائزة الا ان يتفاسخا واجمعوا ان القراض ليس عقدا لازما وان لكل واحد منهما ان يبدو له فيه ويفسخه ما لم يشرع العامل في العمل به بالمال ويشتر ي به متاعا او سلعا فان فعل لم يفسخ حتى يعود المال ناضا عينا كما اخذه قال مالك ولا يصلح لمن دفع إلى رجل مالا قراضا ان يشترط عليه الزكاة في حصته من الربح خاصة لان رب المال اذا اشترط ذلك فقد اشترط لنفسه فضلا من الربح ثابتا فيما سقط عنه من حصة الزكاة التي تصيبه من حصته قال ابو عمر هذا قول الشافعي لانه يعود إلى ان تكون حصة العامل ورب المال مجهولة لانه لا يدري لمن يكون المال في حين وجوب الزكاة لانه قد يمكن ان يتوى كله او بعضه بالخسارة او افات الدهر وفي ‏(‏المدونة‏)‏ قال بن القاسم جائز ان يشترط احدهما على صاحبه ان يكون عليه زكاة الربح لانه يرجع إلى نصيب معروف وفي ‏(‏الاسدية‏)‏ عن بن القاسم انه لا يجوز ان يشترط العامل على رب المال زكاة الربح كما لا يجوز له ان يشترط عليه زكاة المال وروى اشهب عن مالك ان ذلك لا يجوز وقال اشهب هو جائز لانه يعود إلى الاجراء قال ابو عمر هذا في زكاة الربح لا في زكاة المال قال مالك ولا يجوز لرجل ان يشترط على من قارضه ان لا يشتري الا من فلان لرجل يسميه فذلك غير جائز لانه يصير له اجيرا باجر ليس بمعروف وقد تقدم القول في هذه المسالة وقد اتفق الشافعي ومالك ان العامل اذا عمل على ذلك رد إلى اجر مثله وقد اختلف اصحاب مالك فيما يرد في القراض الفاسد إلى قراض المثل وما يرد منه إلى اجرة المثل فقال بن القاسم كل ما دخله التزيد والتحجير فان العامل يرد فيه إلى اجرة مثله ويكون في ذلك كله اجيرا حاشا مسالتين فانهما خرجتا عن اصله احداهما العامل يشترط عليه ضمان مال القراض فقال يرد إلى قراض مثله ممن لا ضمان عليه والمسالة الثانية اذا ضرب اجلا فانه يرد إلى قراض مثله وسائر ذلك من هذا الباب خاصة يكون اجيرا وما عدا التزيد والتحجير فانه يكون فيه على قراض مثله وذكر بن حبيب عن اشهب وبن الماجشون انهما قالا يرد في القراض الفاسد كله إلى قراض مثله قال وقال عبد العزيز بن ابي سلمة القراض الفاسد كله يرد العامل فيه إلى اجرة المثل وهو قول ابي حنيفة والشافعي في القراض الفاسد انه يرد العامل فيه إلى اجرة مثله والمال كله وربحه لرب المال وذكر بن خواز بنداذ قال الاصل من قول مالك في القراض الفاسد انه يرد إلى اجرة المثل الا في مسائل يسيرة مثل القراض على جزء مجهول من الربح والقراض إلى مدة والقراض بعرض والقراض على الضمان قال واظن ذلك كله استحسانا والاصل فيه الرد إلى اجرة المثل قال ابو عمر قد اختلف قول مالك في القراض الذي يشترط فيه على العامل ضمان المال فمرة قال يرد إلى قراض مثله ومرة قال يرد إلى اجرة مثله وهو قول الشافعي وقال ابو حنيفة المضاربة جائزة والشرط باطل واما القراض إلى اجل فاجازه الكوفيون وقالوا المضاربة جائزة الا ان يتفاسخا‏.‏

وقال مالك والشافعي لا يجوز الا ان مالكا قال ان وقعت ردت إلى قراض المثل‏.‏

وقال الشافعي ان اخذ المال قراضا إلى اجل فسخ القراض فان عمل على ذلك رد إلى اجرة مثله‏.‏

وقال مالك في هذا الباب من ‏(‏الموطا‏)‏ في الرجل يدفع إلى رجل مالا قراضا ويشترط على الذي دفع إليه المال الضمان قال لا يجوز لصاحب المال ان يشترط في ماله غير ما وضع القراض عليه وما مضى من سنة المسلمين فيه فان نما المال على شرط الضمان كان قد ازداد في حقه من الربح من اجل موضع الضمان وانما يقتسمان الربح على ما لو اعطاه اياه على غير ضمان وان تلف المال لم ار على الذي اخذه ضمانا لان شرط الضمان في القراض باطل قال ابو عمر السنة المجتمع عليها في القراض ان البراء في المال من رب المال وان الربح بينهما على شرطهما وما خالف السنة فمردود اليها قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ‏(‏ردوا الجهالات إلى السنة‏)‏ قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا واشترط عليه ان لا يبتاع به الا نخلا او دواب لاجل انه يطلب ثمر النخل او نسل الدواب ويحبس رقابها قال مالك لا يجوز هذا وليس هذا من سنة المسلمين في القراض الا ان يشتري ذلك ثم يبيعه كما يباع غيره من السلع قال ابو عمر هذا قول سائر الفقهاء لان القراض باب مخصوص خارج عن الاجارات والبيوع فلا يتجاوز به سنته ولا يقاس عليه غيره كما لا يقاس على العرايا غيرها لانها سنة ورخصة مخصوصة من المزابنة خارجة عن اصلها فلا تقع ولا تنعقد الا على سنتها فان اشترى النخل للثمر لا للبيع والدواب للنسل لا للبيع لم يصح ذلك وكان له فيما اشتراه اجرة مثله وكان الدواب والنخل لرب المال قال مالك لا باس ان يشترط المقارض على رب المال غلاما يعينه به على ان يقوم معه الغلام في المال اذا لم يعد ان يعينه في المال لا يعينه في غيره قال ابو عمر قد تقدم معنى هذه المسالة في شرط المقارض عمل عبد رب المال وهل يستحق العبد لذلك نصيبا من الربح من اجل عمله او يستحقه سيده فيما تقدم من كتابنا هذا في القراض وقال بن القاسم في العامل في القراض يشترط على رب المال الغلام والدابة ان ذلك جائز في القراض وغير جائز في المساقاة وقال سحنون لا يجوز ذلك في القراض ولا في المساقاة وهو الصواب - ان شاء الله عز وجل لانها زيادة ازدادها العامل على قدر حصته وقد مضى من قولهم وقول غيرهم ان ذلك غير جائز وعلتهم ان تلك الزيادة لو كانت درهما ربما لم يكن في المال ربح سواها فصار ذلك إلى المجهول والغرر‏.‏

باب القراض في العروض

1361- قال مالك لا ينبغي لاحد ان يقارض احدا الا في العين لانه لا تنبغي المقارضة في العروض لان المقارضة في العروض انما تكون على احد وجهين اما ان يقول له صاحب العرض خذ هذا العرض فبعه فما خرج من ثمنه فاشتر به وبع على وجه القراض فقد اشترط صاحب المال فضلا لنفسه من بيع سلعته وما يكفيه من مؤونتها او يقول اشتر بهذه السلعة وبع فاذا فرغت فابتع لي مثل عرضي الذي دفعت اليك فان فضل شيء فهو بيني وبينك ولعل صاحب العرض ان يدفعه إلى العامل في زمن هو فيه نافق كثير الثمن ثم يرده العامل حين يرده وقد رخص فيشتريه بثلث ثمنه او اقل من ذلك فيكون العامل قد ربح نصف ما نقص من العرض في حصته من الربح او ياخذ العرض في زمان ثمنه فيه قليل فيعمل فيه حتى يكثر المال في يديه ثم يغلو ذلك العرض ويرتفع ثمنه حين يرده فيشتريه بكل ما في يديه فيذهب عمله وعلاجه باطلا فهذا غرر لا يصلح فان جهل ذلك حتى يمضي نظر إلى قدر اجر الذي دفع إليه القراض في بيعه اياه وعلاجه فيعطاه ثم يكون المال قراضا من يوم نض المال واجتمع عينا ويرد إلى قراض مثله قال ابو عمر قد بين مالك - رحمه الله في هذا الباب معنى الكراهية للقراض بالعروض بيانا شافيا لا يشكل على من له ادنى تامل وقد تقدم من اقوال الفقهاء في المال الذي تجوز فيه المضاربة ما اغنى عن تكراره ها هنا ولا خلاف بينهم في ان القراض جائز بالعين من الذهب والورق واختلفوا في القراض بالفلوس والنقد على ما ذكرناه في صدر هذا الكتاب والحمد لله وذكرنا عن بن ابي ليلى انه اجاز القراض بالعروض وقد بان وجه قوله بما ذكرناه هنالك وما ذكره مالك رحمه الله هنا يبين انه لا وجه لقوله يصح ان شاء الله عز وجل‏.‏

باب الكراء في القراض

1362- قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فاشترى به متاعا فحمله إلى بلد التجارة فبار عليه وخاف النقصان ان باعه فتكارى عليه إلى بلد اخر فباع بنقصان فاغترق الكراء اصل المال كله قال مالك ان كان فيما باع وفاء للكراء فسبيله ذلك وان بقي من الكراء شيء بعد اصل المال كان على العامل ولم يكن على رب المال منه شيء يتبع به وذلك ان رب المال انما امره بالتجارة في ماله فليس للمقارض ان يتبعه بما سوى ذلك من المال ولو كان ذلك يتبع به رب المال لكان ذلك دينا عليه من غير المال الذي قارضه فيه فليس للمقارض ان يحمل ذلك على رب المال قال ابو عمر لست اعلم فيما ذكره مالك خلافا وهو اصل واجماع ومذهب مالك في العامل يشتري من مال المضاربة شيئا ثم ينفق من ماله من كراء او صبغ انه يرجع بالكراء ولا ربح فيه هذا قوله وقول اكثر اصحابه واما الصبغ فرب المال يخير عندهم ان شاء وزن ما اصبغ به ويكون ذلك في القراض وان شاء كان شريكا وله ربحه وقاسه بن القاسم على قول مالك اذا زاد في السلعة ان شاء رب المال عوض وإ لا فهو شريك وفي ‏(‏المدونة‏)‏ قال سحنون وقال غيره فان شاء ضمنه وان شاء دفع إليه قيمة الصبغ وان شاء كان معه شريكا بقيمة الصبغ فان دفع إليه قيمة الصبغ لم يكن على القراض لانه يصير كانه قراض ثان ولا يشبه الذي يريد عنده مالا قراضا فيرضي به رب المال بان يدفعه إليه لان ذلك في صفقة واحدة وهذا في صفقتين قال مالك وليس للمضارب ان يستدين على المضاربة فكذلك لا يجوز ان يجعل ماله دينا فيه‏.‏

وقال الشافعي ان استدان العامل لم يلزم المال ولا رب المال الا ببينة انه ادان وقال ابو حنيفة ما استدان العامل فهو بينهما شركة على ما اشترطا وجائز عند ابي حنيفة والشافعي ان يأذن رب المال للعامل ان يستدين على المال ويكون الربح بينهما على شرطهما‏.‏

وقال مالك لا يحل هذا‏.‏

باب التعدي في القراض

1363- قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فعمل فيه فربح ثم اشترى من ربح المال او من جملته جارية فوطئها فحملت منه ثم نقص المال قال مالك ان كان له مال اخذت قيمة الجارية من ماله فيجبر به المال فان كان فضل بعد وفاء المال فهو بينهما على القراض الاول وان لم يكن له وفاء بيعت الجارية حتى يجبر المال من ثمنها قال ابو عمر ذكر بن وهب هذه المسألة في موطئه على ما في ‏(‏الموطأ‏)‏ لم يعتبر فضل قيمة الجارية يوم وطئها وانما اعتبر قيمتها في الوقت الذي وفى به المال راس ماله قال بن وهب ثم رجع عنه وقال اقف فيه وقال الاوزاعي اذا وطئها قبل ان يقع له ربح في المال فعليه حد الزاني وان كان له فيها ربح جلد مائة جلدة ان كان محصنا فان حملت قومت ودفعت إليه ورد على صاحب المال ما قارضه فيه وقال الليث اذا ابتاع جاريتين فاعتق احداهما واحبل الاخرى فانهما ينتزعان منه جميعا ويكون الولد لابيه بقيمته فما نقص من القراض فعليه ضمانه وما زاد فهو بينهما ولم يذكر فرقا بين ان يكون ثمن كل واحدة منهما اكثر من راس المال او مثله وقياس قول الشافعي انه إن وطىء الجارية التي اشتراها من مال القراض كان عليه صداقها لدرء الحد عنه بالشبهة ولانه لا يملك منها شيئا ملكا صحيحا لانه لا يستحق من الربح شيئا الا بعد حصول راس المال ناضا كما اخذه وتباع الجارية في القراض ان لم تحمل فان حملت ضمنها فان كان موسرا جعل قيمتها في القراض وان كان معسرا بيعت لانها مال غيره اراد استهلاكه ولا مال له هذا قياس قوله عندي ولم اجد هذه المسألة في شيء من كتبه في القراض الا انه قال في كتاب القراض ولو اشترى العامل اباه بمال رب المال فسواء كان في المال فضل أو لم يكن ولا يعتق عليه لانه لا شيء له في المال قبل ان ينض وهو لا ينض الا وقد باع اباه قال ولو كان يملك من الربح قبل ان يكون المال نضا كان شريكا وكان له النماء والنقصان لان من ملك شيئا زائدا ملكه ناقصا وليس هذا سنة القراض لانه ليس بشريك في نماء ولا نقصان وانما له اذا حصل راس المال حصته من الربح حينئذ وله في الزكاة في حصه العامل في القراض قولان هذا اظهرهما في مذهبه ولم يختلف قوله ان العامل لو اشترى بالمال عبدا انه لا يجوز عتقه ولا يقومن عليه أن كان موسرا واما ابو حنيفة واصحابه فمذهبهم ان المضارب لو اشترى بمال المضاربة عبدا فيه فضل او اشتراه ولا فضل فيه ثم صار فيه فضل كان المضارب مالكا لحصته من ذلك الفضل ما كان الفضل موجودا قالوا ولو اعتق المضارب العبد وفيه فضل جاز عتقه فيه وكان كعبد بين رجلين اعتقه احدهما ففي قياس قولهم اذا وطىء العامل جارية في مال القراض وفيه فضل كان حكمه كحكم الشريكين في الجارية يطؤها احدهما وان لم يكن في المال فضل لا حين الشراء ولا حين الوطء فهو كمن وطىء مال غيره واما مالك واصحابه فقالوا اذا وطىء العامل جارية من مال القراض فحملت فان كان مليئا غرم قيمتها وكانت القيمة قراضا وصارت له ام ولد وهذا قول بن القاسم واشهب وعبد الملك وغيرهم واختلفوا اذا كان معدما فروى بن القاسم عن مالك انه يتبع بالثمن دينا وقاله بن القاسم وقال سحنون هذا كلام غير معتدل وارى ان تباع عليه الا ان يكون فيها فضل فيباع بالقيمة والباقي يكون منها بحساب ام ولد وروى عيسى عن بن القاسم انه قال ان كان استسلف المال من القراض فاشترى به الجارية فالثمن عليه دينا يتبع به مليئا كان او معدما واما اذا عدا عليها وهي من مال القراض فانها تباع ان لم يكن له مال قال عيسى ويتبع بثمن الولد الا ان يكون له ربح فيكون بمنزلة الجارية بين الشريكين يطؤها احدهما وان ضمنها قيمتها يوم الوطء فلا شيء له من قيمة الولد وذكر بن حبيب قال اذا استسلف من المال فعليه الاكثر من قيمتها او من الثمن لانه منعه وقد كان لرب المال الخيار في ذلك قبل الحمل فكذلك بعد الحمل وروى ابو زيد عن بن القاسم انه إن لم يظهر ذلك بعد الحمل الا باقرار السيد الوطء لم يقبل قوله لانه يريد بيع ام ولده قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فتعدى فاشترى به سلعة وزاد في ثمنها من عنده قال مالك صاحب المال بالخيار ان بيعت السلعة بربح او وضيعة او لم تبع ان شاء ان يأخذ السلعة اخذها وقضاه ما اسلفه فيها وان ابى كان المقارض شريكا له بحصته من الثمن في النماء والنقصان بحساب ما زاد العامل فيها من عنده قال ابو عمر هذا قول الشافعي وابي حنيفة ان اقر رب المال بالزيادة او قيمت بذلك بينة واما مالك فالعامل مصدق عنده ابدا اذا جاء بما نسيه وروى بن القاسم عن مالك انه قال لا باس ان يخلط المال القراض بماله يكون به شريكا قال بن القاسم واذا اخذ مائة دينار قراضا فاشتروا سلعة بمائتي دينار نقدا المائة من عنده والمائة القراض كان شريكا في السلعة ولا خيار لرب المال في ان يدفع إليه المئة الثانية وان كانت المائة التي زاد اخذها سلفا على القراض فرب المال بالخيار ان شاء اجاز إليه ودفع إليه ما زد وان شاء لم يجز ذلك وكان معه شريكا قال ابو عمر اتفق الشافعي والليث وابو حنيفة في العامل يخلط ماله بمال القراض بغير اذن رب المال انه ضامن الا ان يأخذ قال ان قيل له اعمل فيه برايك فخلطه لم يضمن فقال مالك له ان يخلطه بغير اذن رب المال بماله وبمال غيره وهو قول الاوزاعي‏.‏

وقال مالك ان دفع إليه الفاعل ان يخلطها الفاعل بألف له وله في الربح الثلثان فلا يصلح رواه بن القاسم عنه وروى عنه اشهب انه لا باس بها قال قال لي مالك اياك وهذا التخليط قال مالك في رجل اخذ من رجل مالا قراضا ثم دفعه إلى رجل اخر فعمل فيه قراضا بغير اذن صاحبه انه ضامن للمال ان نقص فعليه النقصان وان ربح فلصاحب المال شرطه من الربح ثم يكون للذي عمل شرطه بما بقي من المال قال ابو عمر لا اعلم خلافا في هذا الا ان المزني قال ليس للثاني الا اجر مثله لانه عمل على فساد وزعم انه اصل الشافعي في ‏(‏الجديد‏)‏ وان قوله كالغريم مجملة فقد اختلف اصحاب مالك فيه لو دفعه بعد ان خسر فيه فقال بن القاسم في ‏(‏المدونة‏)‏ في الرجل يدفع إلى آخر ثمانين دينارا قراضا فيخسر فيها اربعين ثم يدفع تلك الاربعين قراضا إلى غيره فيعمل فيها فتصير مائة في يد العامل الثاني انه يبدا برب المال الاول فياخذ راس ماله ثمانين دينارا وعشرة دنانير نصف الربح تمام التسعين وياخذ العامل الثاني العشرة الباقية تمام المائة ويرجع العامل الثاني على العامل الاول بعشرين دينارا قيمة الثلاثين دينارا وذلك نصف ما ربح قال سحنون وقال غيره ياخذ رب المال السبعين الباقية وينظر إلى الاربعين التي تلفت في يد العامل الاول فان كان تعدى عليها رجع عليه بها كلها تمام عشرة دنانير ومائة دينار وإن كان انما ذهبت بخسارة بعد رجع بعشرين تمام تسعين قال مالك في رجل تعدى فتسلف مما بيديه من القراض مالا فابتاع به سلعة لنفسه قال مالك ان ربح فالربح على شرطهما في القراض وان نقص فهو ضامن للنقصان قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فاستسلف منه المدفوع إليه المال مالا واشترى به سلعة لنفسه ان صاحب المال بالخيار ان شاء شركه في السلعة على قراضها وان شاء خلى بينه وبينها واخذ منه راس المال كله وكذلك يفعل بكل من تعدى قال ابو عمر معنى المسالتين متقارب بل هو واحد لان العامل اشترى بمال القراض او ببعضه سلعة لنفسه يتجر فيها او يقتنيها فصاحب المال يخير على ما قال مالك في ذلك ولا مخالف علمته له فيه لانه مال قد قبضه على ان يعمل به قراضا فما عمل به فيه بما فيه ربح فهو على القراض لان ذلك هو المعنى المقصود إليه في القراض ولا يضره نية العامل الفاسدة وان لم يكن فيه ربح لزمه ما اخذ من مال القراض لنفسه كما لو استهلكه وتعدى فيه فافسده وبالله التوفيق‏.‏

باب ما يجوز من النفقة في القراض

1365- قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا انه اذا كان المال كثيرا يحمل النفقة فاذا شخص فيه العامل فان له ان ياكل منه ويكتسي بالمعروف من قدر المال ويستاجر من المال اذا كان كثيرا لا يقوى عليه بعض من يكفيه بعض مؤونته ومن الاعمال اعمال لا يعملها الذي ياخذ المال وليس مثله يعملها من ذلك تقاضي الدين ونقل المتاع وشده واشباه ذلك فله ان يستاجر من المال من يكفيه ذلك وليس للمقارض ان يستنفق من المال ولا يكتسي منه ما كان مقيما في اهله انما يجوز له النفقة اذا شخص في المال وكان المال يحمل النفقة فان كان انما يتجر في المال في البلد الذي هو به مقيم فلا نفقة له من المال ولا كسوة قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فخرج به وبمال نفسه قال يجعل النفقة من القراض ومن ماله على قدر حصص المال قال ابو عمر قد تقدم معنى هذا الباب في درج غيره ولا بد من اعادة بعض ما للعلماء فيه ليكون المعنى المراد قائما في الباب إن شاء الله عز وجل أتفق مالك وابو حنيفة واصحابهما ان العامل بالقراض ينفق من مال القراض على نفسه اذا سافر ولا ينفق اذا كان حاضرا وقال الثوري ينفق في ذهابه في سفره ومقامه ولا ينفق راجعا وقال الليث يتغدى في المصر ولا يتعشى‏.‏

وقال الشافعي لا ينفق في سفر ولا حضر الا باذن رب المال وقال اصحابه في المسالة ثلاثة اقاويل احدها هذا والاخر مثل قول مالك والثالث ينفق في المصر بمقدار ما بين نفقة السفر والحضر ولهم في فرض النفقة قولان احدهما انه لا ينفق حتى يفرض له باتفاق له ومن رب المال والثاني انه لا يفرض له وينفق هو واما التابعون فروي عن بن سيرين ان المضارب لا ياكل شيئا من المال وان اكل او انفق فهو دين عليه ذكره عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن هشام عن بن سيرين وذكر الثوري عن اشعث عن ابراهيم قال ياكل ويلبس بالمعروف وعن الربيع عن الحسن مثله‏.‏

باب ما لا يجوز من النفقة في القراض

1366- قال مالك في رجل معه مال قراض هو يستنفق منه ويكتسي انه لا يهب منه شيئا ولا يعطي منه سائلا ولا غيره ولا يكافئ فيه احدا فاما ان اجتمع هو وقوم فجاؤوا بطعام وجاء هو بطعام فارجو ان يكون ذلك واسعا اذا لم يتعمد ان يتفضل عليهم فان تعمد ذلك او ما يشبهه بغير اذن صاحب المال فعليه ان يتحلل ذلك من رب المال فان حلله ذلك فلا باس به وان ابى ان يحلله فعليه ان يكافئه بمثل ذلك ان كان ذلك شيئا له مكافاة قال ابو عمر هذا الباب ليس فيه اختلاف والاصل المجتمع عليه ان المال القراض لن يعطه العامل ليهبه ولا ليتصدق به ولا ليتلفه وانما اعطيه ليثمره ويطلب فيه الربح والنماء ولا يعرضه للهلاك والتوى وهذا ما لا اختلاف فيه بين العلماء‏.‏

باب الدين في القراض

1367- قال مالك الامر المجتمع عليه عندنا في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فاشترى به سلعه ثم باع السلعة بدين فربح في المال ثم هلك الذي اخذ المال قبل ان يقبض المال قال ان اراد ورثته ان يقبضوا ذلك المال وهم على شرط ابيهم من الربح فذلك لهم اذا كانوا امناء على ذلك فان كرهوا ان يقتضوه وخلوا بين صاحب المال وبينه لم يكلفوا ان يقتضوهن ولا شيء عليهم ولا شيء لهم اذا اسلموه إلى رب المال فان اقتضوه فلهم فيه من الشرط والنفقة مثل ما كان لابيهم في ذلك هم فيه بمنزلة ابيهم فان لم يكونوا امناء على ذلك فان لهم ان ياتوا بامين ثقة فيقتضي ذلك المال فاذا اقتضى جميع المال وجميع الربح كانوا في ذلك بمنزلة ابيهم قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا على انه يعمل فيه فما باع به من دين فهو ضامن له ان ذلك لازم له ان باع بدين فقد ضمنه قال ابو عمر ظاهر قول مالك هذا في ‏(‏الموطا‏)‏ ان العامل يضمن اذا باع بالدين لانه على ذلك اخذ المال انه ان باع بالدين ضمن فان كان ذلك ضمن وتلخيص مذهب ائمة الفتوى في بيع المقارض بالدين ان مالكا والشافعي قالا لا يبيع العامل في القراض سلعة بنسيئة الا ان ياذن له رب المال فان فعل بغير اذنه ضمن وقال ابو حنيفة واصحابه له ان يبيع بالدين الا ان ينهاه رب المال او ينص ذلك له اذا قارضه واما موت العامل في سلع او دين فقول مالك فيما تقدم ذكره قال الشافعي ان مات العامل لم يكن لورثته ان يعمل مكانه ويبع ما كان في يديه حتى ثياب سفره وغير ذلك مما قل او كثر فان كان فيه فصل كان لورثته حصته وان كان خسرانا كان ذلك في المال وان مات رب المال صار المال لورثته فان رضوا ترك المقارض على قراضه والا فقد انفسخ قراضه‏.‏

وقال الشافعي ومتى شاء رب المال اخذ ماله قبل العمل وبعده كان ذلك له ومتى شاء العامل ان يخرج من القراض فذلك له قال ابو عمر هذا خلاف قول مالك وليس للعامل عنده ولا لرب المال ان يفسخ القراض الا اذا كان المال عينا فاذا صار في السلع اجبر المقارض على ان يرده عينا كما اخذه واجبر رب المال على ذلك ايضا في أ عجل ما يمكن من بيع السلع قال مالك يجبر العامل على تقاضي ما باع بالدين وان كان فيه وضيعة حتى يرد المال عينا ولرب المال ان لا يرضى بالحوالة وقال ابو حنيفة واصحابه اذا باع المضارب بنسيئة واحب رب المال ان يفسخ القراض فان كان في المال فضل اجبر على التقاضي وان لم يكن له فضل لم يجبر على تقاضيه واجل الذي له المال حتى يتقاضاه هذا يدل من قولهم ان للمقارض ولرب المال ان يفسخ كل واحد منهما القراض قبل العمل وبعده كما قال الشافعي‏.‏

باب البضاعة في القراض

1368- قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا واستسلف من صاحب المال سلفا او استسلف منه صاحب المال سلفا او ابضع معه صاحب المال بضاعة يبيعها له او بدنانير يشتري له بها سلعة قال مالك ان كان صاحب المال انما ابضع معه وهو يعلم انه لو لم يكن ماله عنده ثم ساله مثل ذلك فعله لاخاء بينهما او ليسارة مؤونة ذلك عليه ولو ابى ذلك عليه لم ينزع ماله منه او كان العامل انما استسلف من صاحب المال او حمل له بضاعته وهو يعلم انه لو لم يكن عنده ماله فعل له مثل ذلك ولو ابى ذلك عليه لم يردد عليه ماله فاذا صح ذلك منهما جميعا وكان ذلك منهما على وجه المعروف ولم يكن شرطا في اصل القراض فذلك جائز لا باس به وان دخل ذلك شرط او خيف ان يكون انما صنع ذلك العامل لصاحب المال ليقر ماله في يديه او انما صنع ذلك صاحب المال لان يمسك العامل ماله ولا يرده عليه فان ذلك لا يجوز في القراض وهو مما ينهى عنه اهل العلم قال ابو عمر ما قاله مالك - رحمه الله - في هذا الباب صحيح واضح لان الاصل المجتمع عليه في القراض ان تكون حصة العامل في الربح معلومة وكذلك حصة رب المال من الربح لا تكون ايضا الا معلومة فاذا شرط احدهما على صاحبه بضاعة يحملها له ويعمل فيها فقد ازداد على الحصة المعلومة ما تعود به مجهوله لان العمل في البضاعة له اجرة يستحقها العامل فيها قد ازدادها عليه رب المال والسلف من كل واحد هو في هذا المعنى اذا كان شيء من ذلك مشترطا في اصل عقد القراض واما ان تطوع منهما متطوع فلا باس اذا سلم عقد القراض من الفساد هذا وجه الفقه في هذه المسالة وما عداه فاستحباب وورع وترك مباح خوف مواقعة المحذور والله اعلم وهذا المعنى هو قياس قول الشافعي أيضا والكوفي وسائر اهل العلم ان شاء الله وللتابعين فيه كراهية واجازة ذكر عبد الرزاق عن معمر عن ايوب عن بن سيرين قال لا باس ان يدفع الرجل مالا مضاربة على ان يحمل له بضاعة وعن معمر عن بن طاوس عن ابيه انه كرهه وعن الثوري وعن مغيرة عن ابراهيم انه كره ان يدفع إليه الفا مضاربه والفا قراضا والفا بضاعة‏.‏

باب السلف في القراض

1369- قال مالك في رجل اسلف رجلا مالا ثم ساله الذي تسلف المال ان يقره عنده قراضا قال مالك لا احب ذلك حتى يقبض ماله منه ثم يدفعه إليه قراضا ان شاء او يمسكه قال ابو عمر اختلف الفقهاء في هذه المسألة فمذهب مالك انه لا يجوز فان فعل فالقراض فاسد وما اشترى وباع فهو العامل الذي كان عليه الدين وهو قول ابي حنيفة واحد قولي الشافعي وقال ابو يوسف ومحمد لا يجوز وما اشترى وباع فهو للامر وللمقارض اجر مثله قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فاخبره انه قد اجتمع عنده وسأله ان يكتبه عليه سلفا قال لا احب ذلك حتى يقبض منه ماله ثم يسلفه اياه ان شاء او يمسكه وانما ذلك مخافة ان يكون قد نقص فيه فهو يحب ان يؤخره عنه على ان يزيده فيه ما نقص منه فذلك مكروه ولا يجوز ولا يصلح قال ابو عمر قد بين مالك الفقه لكراهية ما كره في هذه المسألة وسائر اهل العلم على كراهة ذلك وهو غير جائز عندهم الا ان علتهم في ذلك ان الدين لا يعود امانة حتى يقبض ثم يعاد وكذلك الامانة لا تعود في الذمة ولا تكون مضمونة الا بان يقبضها ربها ثم يسلفها فتنتقل إلى الذمة حينئذ وكره بن القاسم ان يقول رب الوديعة للمودع عنده اعمل بما تراها ولم يجبره وكره اشهب ان يوقع وقال بن المواز لا بأس به ولم يختلفوا في انه لا يجوز ان يعمل بالدين قراضا باذن صاحبه قبل قبضه واختلفوا اذا اذن له رب الدين فعمل به قراضا فروى سحنون عن بن القاسم قال الربح والخسارة جميعا للمديان وعليه وقال اشهب ان عمل فالخسارة والربح على رب الدين‏.‏

باب المحاسبة في القراض

1370- قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فعمل فيه فربح فاراد ان ياخذ حصته من الربح وصاحب المال غائب قال لا ينبغي له ان ياخذ منه شيئا الا بحضرة صاحب المال وان اخذ شيئا فهو له ضامن حتى يحسب مع المال اذا اقتسماه قال مالك لا يجوز للمتقارضين ان يتحاسبا ويتفاصلا والمال غائب عنهما حتى يحضر المال فيستوفي صاحب المال راس ماله ثم يقتسمان الربح على شرطهما قال ابو عمر الاصل في القراض انه لا يجوز للعامل فيه ان يأخذ شيئا من ربحه الا بعد حضور راس المال عند صاحبه او بحضرته ولا يجوز عند الجميع ان يكون احد مقاسما لنفسه عن نفسه ولا احرى عنها ومعطيا لها ولو كان الشريك وصيا ما جاز له ان يقاسم نفسه عن ايتامه وانما يقاسمه عنهم وكيل الحاكم ولا بد من وكيل رب المال على المقاسمه او حضوره لنفسه وحضور مال القراض عند قسمة الربح لما وصفنا وللعلة التي ذكرنا في الباب قبل هذا فان اخذ المقارض حصته من الربح قبل القسمة ثم ضاع المال فقد اختلف الفقهاء فقال مالك اذا اذن له رب المال وقال رجوت السلامة والعامل مصدق فيما ادعاه من الضياع‏.‏

وقال الشافعي والثوري وابو حنيفة اذا اقتسما الربح ومال المضاربة بيد المضارب على حاله فضاع بعد ذلك فان قسمتها باطل وما اخذه رب المال محسوب من راس ماله وما اخذه المضارب يرده قال مالك في رجل اخذ مالا قراضا فاشتري به سلعة وقد كان عليه دين فطلبه غرماؤه فادركوه ببلد غائب عن صاحب المال وفي يديه عرض ربح بين فضله فارادوا ان يباع لهم العرض فيأخذوا حصته من الربح قال لا يؤخذ من ربح القراض شيء حتى يحضر صاحب المال فيأخذ ماله ثم يقتسمان الربح على شرطهما قال ابو عمر ما تقدم من الكلام في هذا الباب يغني عن اعادته هنا قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فتجر فيه فربح ثم عزل راس المال وقسم الربح فاخذ حصته وطرح حصة صاحب المال في المال بحضرة شهداء اشهدهم على ذلك قال لا تجوز قسمة الربح الا بحضرة صاحب المال وان كان اخذ شيئا رده حتى يستوفي صاحب المال راس ماله ثم يقتسمان ما بقي بينهما على شرطهما قال ابو عمر الكلام فيما تقدم انه لا يكون مقاسما لنفسه ولا حاكما في اخذ حصته بمحضر شهود وبغير شهود يغني عن اعادته ها هنا قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فعمل فيه فجاءه فقال له هذه حصتك من الربح وقد اخذت لنفسي مثله وراس مالك وافر عندي قال مالك لا احب ذلك حتى يحضر المال كله فيحاسبه حتى يحصل راس المال ويعلم انه وافر ويصل إليه ثم يقتسمان الربح بينهما ثم يرد إليه المال ان شاء او يحبسه وانما يجب حضور المال مخافة ان يكون العامل قد نقص فيه فهو يحب ان لا ينزع منه وان يقره في يده وقد بين مالك - رحمه الله - وجه قوله واعتلاله في هذه المسألة وما قدمناه مما اعتل به غيره وجه ايضا وهو امر لا اختلاف فيه ان شاء الله تعالى وبالله التوفيق‏.‏

باب ما جاء في القراض

1371- قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فابتاع به سلعة فقال له صاحب المال بعها وقال الذي اخذ المال لا ارى وجه بيع فاختلفا في ذلك قال لا ينظر إلى قول واحد منهما ويسأل عن ذلك اهل المعرفة والبصر بتلك السلعة فان راوا وجه بيع بيعت عليهما وان راوا وجه انتظار انتظر بها قال ابو عمر خالفه الشافعي والكوفيون فقالوا تباع في الوقت لان حصة رب المال في الربح كحصة العامل فلكل واحد منهما ان ينقض القراض قبل العمل وبعده لانه ليس بعقد لازم لواحد منهما وقد خالف سحنون بن القاسم في العامل بالقراض يبيع السلع بدين ثم يابى من تقاضي الثمن ويسلم ذلك إلى ربه ويرضى بذلك رب المال فقال بن القاسم لا باس بذلك وهو بمنزلة العامل يموت ويسلم ورثته المال إلى ربه يتقاضاه على انه لا شيء لهم من الربح وانكر ذلك سحنون ولم يبين الوجه الذي كرهه قال مالك في رجل اخذ من رجل مالا قراضا فعمل فيه ثم سأله صاحب المال عن ماله فقال هو عندي وافر فلما اخذه به قال قد هلك عندي منه كذا وكذا لمال يسميه وانما قلت لك ذلك لكي تتركه عندي قال لا ينتفع بانكاره بعد اقراره انه عنده ويؤخذ باقراره على نفسه الا ان ياتي في هلاك ذلك المال بامر يعرف به قوله فان لم يات بامر معروف اخذ باقراره ولم ينفعه انكاره قال ابو عمر هذا كما قال مالك لا خلاف في ذلك واما لو قال هلك بعد ذلك كان مصدقا عند الجميع الا ان يتبين كذبه قال مالك وكذلك ايضا لو قال ربحت في المال كذا وكذا فساله رب المال ان يدفع إليه ماله وربحه فقال ما ربحت فيه شيئا وما قلت ذلك الا لان تقره في يدي فذلك لا ينفعه ويؤخذ بإقراره الا ان ياتي بامر يعرف به قوله وصدقه فلا يلزمه ذلك وهذا ايضا لا خلاف فيه وقد اجمعوا ان الرجوع في حقوق الادميين بعد الاقرار لا ينفع الراجع عما اقر به وانه يلزمه اقراره في اموال الادميين كلها قال مالك في رجل دفع إلى رجل مالا قراضا فربح فيه ربحا فقال العامل قارضتك على ان لي الثلثين وقال صاحب المال قارضتك على ان لك الثلث قال مالك القول قول العامل وعليه في ذلك اليمين اذا كان ما قال يشبه قراض مثله قال ابو عمر لم يختلف اصحاب مالك في ان القول قول العامل في ذلك وذكر بن حبيب ان الليث خالفه في ذلك فقال يحملان على قراض مثلهما واختار بن حبيب قول مالك وذكره بن وهب في ‏(‏موطئه‏)‏ قال قال الليث يحملان على قراض المسلمين للنصف قال ابو عمر قد قال مالك ان العامل اذا جاء بما يستنكر لم يصدق ورد إلى قراض مثله وهو قول الليث وانما الاختلاف بينهما ان العامل لا يرد إلى قراض مثله اذا جاء بما يشبه ان يتقارض الناس عليه وانما يرد إلى قراض مثله اذا جاء بما يستنكر وبما لا يستنكر وقال ابو حنيفة واصحابه والثوري اذا ربح فقال رب المال شرطت لك النصف وقال العامل شرطت لك الثلثين فالقول قول رب المال‏.‏

وقال الشافعي يتحالفان ويكون للعامل اجر مثله على رب المال قال مالك في رجل اعطى رجلا مائة دينار قراضا فاشترى بها سلعة ثم ذهب ليدفع إلى رب السلعة المائة دينار فوجدها قد سرقت فقال رب المال بع السلعة فان كان فيها فضل كان لي وان كان فيها نقصان كان عليك لانك انت ضيعت وقال المقارض بل عليك وفاء حق هذا انما اشتريتها بمالك الذي اعطيتني قال مالك يلزم العامل المشتري اداء ثمنها إلى البائع ويقال لصاحب المال القراض ان شئت فاد المائة الدينار إلى المقارض والسلعة بينكما وتكون قراضا على ما كانت عليه المائة الاولى وان شئت فابرأ من السلعة فان دفع المائة دينار إلى العامل كانت قراضا على سنة القراض الاول وان ابى كانت السلعة للعامل وكان عليه ثمنها قال ابو عمر قول الليث بن سعد في هذه المسالة كقول مالك سواء فان لم يكن للمقارض مال بيعت عليه السلعة وكان الربح له وعليه النقصان فان كان له مال وادى ثمنها كانت السلعة له اذا ابى رب المال من ادائه وان ادى رب المال الثمن كان القراض مستانفا على شرط القراض الاول هذا كله عندي معنى قول الشافعي لانه قال اذا اشترى العامل وجاء ليدفع الثمن فوجد المال قد ضاع فليس على رب المال شيء والسلعة للمقارض واما ابو حنيفة واصحابه فقالوا اذا اشترى وهلك المال في يده قبل ان ينتقد كان له الرجوع على رب المال ويكون راس المال ما دفع اولا واخرا مثال ذلك ان يكون المال الذي اخذه قراضا الف درهم فيشتري سلعة بالف درهم ويهلك المال في يده قبل ان ينتقده فانه يرجع على رب المال بالف درهم ويكون راس ماله في تلك المضاربة العين لا يستحق شيئا من الربح حتى تتم الالفان ثم الربح قال مالك في المتقارضين اذا تفاصلا فبقي بيد العامل من المتاع الذي يعمل فيه خلق القربة او خلق الثوب او ما اشبه ذلك قال مالك كل شيء من ذلك كان تافها لا خطب له فهو للعامل ولم اسمع احدا افتى برد ذلك وانما يرد من ذلك الشيء الذي له ثمن وان كان شيئا له اسم مثل الدابة او الجمل او الشاذكونه او اشباه ذلك مما له ثمن فاني ارى ان يرد ما بقي عنده من هذا الا ان يتحلل صاحبه من ذلك قال ابو عمر روى بن القاسم عن مالك انه سئل عن الجبة تفضل للعامل في القراض او نحو ذلك من ثيابه ثم يعامله رد المال هل ينزع ذلك منه فقال ما علمت انه يؤخذ مثل هذا منه وقال سحنون ما كان له بال اخذ منه وحسب في المال وما لم يكن له بال مثل الحبل والقربة والشيء الخفيف فانه يترك له قال ابو عمر قول الليث في هذه المسالة كقول مالك لانه قال لا يرد خلقا تافها من الثياب ولا من الاسقية ولا الحبل وشبهه واما ابو حنيفة والشافعي واصحابهما فقالوا يرد قليل ذلك وكثيره واحتج بعضهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة - رضى الله عنها - ‏(‏يا عائشة اياك ومحقرات الذنوب فان لها من الله طالبا‏.‏

كتاب المساقاة

باب ما جاء في المساقاة

1372- مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليهود خيبر يوم افتتح خيبر ‏(‏اقركم فيها ما اقركم الله عز وجل على ان الثمر بيننا وبينكم‏)‏ قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبينهم ثم يقول ان شئتم فلكم وان شئتم فلي فكانوا ياخذونه‏.‏

1373- مالك عن بن شهاب عن سليمان بن يسار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر قال فجمعوا له حليا من حلي نسائهم فقالوا له هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم فقال عبد الله بن رواحة يا معشر اليهود ‏!‏ والله انكم لمن ابغض خلق الله الي وما ذاك بحاملي على ان احيف عليكم فاما ما عرضتم من الرشوة فانها سحت وانا لا ناكلها فقالوا بهذا قامت السماوات 4 والارض قال ابو عمر هكذا روى مالك في حديثه ‏(‏عن سعيد بن المسيب‏)‏ مرسلا وتابعه معمر واكثر اصحاب بن شهاب على ارساله وقد وصلته منهم طائفة منهم صالح بن ابي الاخضر عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر دعا اليهود فقال ‏(‏نعطيكم الثمر على ان تعملوها اقركم ما اقركم الله‏)‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرصها عليهم ثم يخبرهم أياخذون بخرصه ام يتركون واختلف العلماء في افتتاح خيبر هل كان عنوة او صلحا او خلا اهلها عنها بغير قتال فحدثني عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني ابو داود قال حدثني يعقوب بن ابراهيم وزياد بن ايوب قالا حدثني إسماعيل بن ابراهيم عن عبد العزيز بن صهيب عن انس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فاصبناها عنوة فاحتج بهذا من جعل فتح خيبر عنوة واحتجوا ايضا برواية معمر عن بن شهاب في هذا الحديث فقال خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ولم يكن له ولا لاصحابه عمال يعملونها ويزرعونها فدعا يهود خيبر وكانوا قد اخرجوا منها فدفع اليهم خيبر على ان يعملوها على النصف يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه وقال لهم ‏(‏اقركم على ذلك ما اقركم الله‏)‏ وذكر تمام الخبر قالوا ولا يخمس الا ما كان اخذ عنوة واوجف المسلمون عليه بالخيل والرجل وقال اخرون كانت خيبر حصونا كثيرة فمنها ما اخذ عنوة بالقتال والغلبة ومنها ما صالح عليه اهلها ومنها ما اسلمه اهله للرعب والخوف بغير قتال طلبا لحقن دمائهم وروى بن وهب عن مالك عن بن شهاب ان خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحا قال و‏(‏الكتيبة‏)‏ اكثرها عنوة ومنها صلح قال بن وهب قلت لمالك وما الكتيبة قال من ارض خيبر وهي اربعون الف عذق قال مالك وكتب المهدي امير المؤمنين ان تقسم ‏(‏الكتيبة‏)‏ مع صدقات النبي صلى الله عليه وسلم فهم يقسمونها في الاغنياء والفقراء وقيل لمالك افترى ذلك للاغنياء قال لا ولكن ارى ان تفرق على الفقراء وقال موسى بن عقبة كان مما افاء الله على المسلمين من خيبر نصفها فكان النصف لله ولرسوله والنصف الاخر للمسلمين فكان الذي لله ولرسوله النصف وهي الكتيبة والوطيحة وسلالم ووحدة وكان النصف الثاني للمسلمين نطاة والشق قال ابو عمر قد ذكرنا في ‏(‏التمهيد‏)‏ في باب بن شهاب عن سعيد بن المسيب من الاثار المرفوعة وغيرها في فتح خيبر وكيف كانت قسمتها ما فيه كفاية ولم يختلف اهل العلم في ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم نصفها وانما اختلفوا في قسمه جميعها وذكرنا هناك اختلاف العلماء في قسمة الارضين وفي توقيفها واختصار ذلك ان مالكا واصحابه كانوا يرون ان كل بلدة تفتح عنوة فان ارضها موقوفة حكمها حكم التي لكل من حضرها ومن لم يحضرها ومن ياتي من المسلمين بعد إلى يوم القيامة على ما صنع عمر - رضي الله عنه - بارض سواد العراق وارض مصر والشام جعلها موقوفة مادة للمسلمين اهل ذلك المصر ومن يجيء بعدهم واحتج عمر - رضي الله عنه - في ذلك بالاية في سورة الحشر ‏(‏ما افاء الله على رسوله من اهل القرى ‏)‏ الاية إلى قوله ‏(‏والذين جاءو من بعدهم‏)‏ الحشر7- 10‏.‏

وقال ما احد الا وله في هذا المال حق حتى الراعي وكان يفرض للمنفوس والعبد وروى مالك عن زيد بن اسلم عن ابيه عن عمر قال لولا اخر الناس ما افتتحت قرية الا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر رواه بن مهدين وغيره عن مالك وكان فعل عمر في توقيف الارض بمحضر من الصحابة من غير نكير فدل ذلك على ان معنى قول الله عز وجل ‏(‏واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول‏)‏ الانفال 41 فيما عدا الارضين وان الارض لا تدخل في عموم هذا اللفظ واستدل من ذهب إلى هذا بان الغنائم التي احلت للمسلمين ولم تحل لاحد قبلهم انما كانت ما تاكله النار وذكر إسماعيل بن إسحاق قال حدثني يحيى بن عبد الحميد قال حدثني ابو معاوية عن الاعمش عن ابي صالح عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتاكلها‏)‏ وذكر تمام الخبر وروى معمر عن همام بن منبه عن ابي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏ غزا نبي من الانبياء فقال لا ينبغي احد ملك بضع امراة وهو يريد ان يبني بها‏)‏ وذكر الحديث وفيه انه غزا قرية فدنا منها بعد العقد فقال للشمس انك مامورة وانا مامور اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه فجمع الغنائم فجاءت النار لتاكلها فلم تطعمها فقال ان فيكم غلولا فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه فلصقت يد رجل بيده فقال فيكم الغلول فلتبايعني قبيلتك فبايعته قال فلصقت بيد رجلين او ثلاثة فقال فيكم الغلول انتم غللتم فجاؤوا براس بقرة من ذهب فوضعوها فجاءت النار فاكلتها ثم احل الله لنا الغنائم لما راى من عجزنا وضعفنا احلها لنا رواه عبد الرزاق وهشام بن يوسف وبن المبارك ومحمد بن ثور عن معمر بمعنى واحد ومما روي ان هارون -عليه السلام- امر بني إسرائيل ان يحرقوا ما كان بايديهم من متاع فرعون فجمعوه واحرقوه فالقى السامري فيه القبضة التي كانت في يده من اثر الرسول يقال من اثر جبريل -عليه السلام- فصارت عجلا له خوار ومعلوم ان الارض لم تجر هذا المجرى إلى اشياء اخرى احتجوا بها ليس فيها بيان قاطع احسنها حديث ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال ‏(‏منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها‏)‏ ومنعت ها هنا بمعنى ستمنع قالوا وهو ما ضربه عمر على كل جديب من الارضين المفتتحة وعلى ما ذهب إليه مالك في توقيف الأرضين جماعة الكوفيين الا انهم قالوا ان الامام مخير في الارض ان شاء قسمها واهلها بين الغانمين كسائر الغنيمة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وان شاء اقر اهلها عليها وجعل عليهم الخراج وتكون ملكا لهم يجوز بيعهم لها كسائر ما يملكون واما مالك فلا يرى الامام مخيرا في ذلك وارض العنوة عنده غير مملوكة وانما المملوكة عنده ارض الصلح التي صالح عليها اهلها وقد شرحنا هذه المعاني في ‏(‏التمهيد‏)‏ وكان الشافعي واصحابه يذهبون إلى ان الامام يقسم الارض في كل ما افتتح عنوة كما يقسم سائر الغنائم وان اربعة اخماسها مملوكة للموجفين عليها بالخيل والركاب ومن حضر القتال والفتح من مقاتل ومكتر بالغ حر وانما الخمس عنده المقسوم على ما نص الله تعالى في كتابه في سورة الانفال وقد ذكرنا معاني الخمس واختلاف اهل العلم في كتاب الجهاد وانما ذكرنا ها هنا طرفا من احكام الارضين المفتتحات عنوة لما جرى من فتح خيبر واختلف العلماء في ذلك وحجة الشافعي فيما ذهب إليه من هذا الباب عموم قول الله عز وجل ‏(‏واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه‏)‏ الاية الانفال 41 يعني والاربعة الاخماس للغانمين فملكهم كل ما غنموا من ارض وغيرها مع ما روي في خيبر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمها بين اهل الحديبية الذين وعدهم الله تعالى بها وهم الذين افتتحوها واما قوله في حديث مالك في هذا الباب ‏(‏اقركم ما اقركم الله‏)‏ فالمعنى في ذلك - والله اعلم - انه صلى الله عليه وسلم كان يكره ان يكون بارض العرب غير المسلمين وكان يحب الا يكون فيها دينان كنحو محبته في استقبال الكعبة حتى نزلت ‏(‏قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضها‏)‏ الاية ‏[‏البقرة 144‏]‏‏.‏

وكان لا يتقدم في شيء الا بوحي وكان يرجو ان يحقق الله رغبته في ابعاد اليهود عن جواره فذكر ليهود خيبر ما ذكر منتظرا للقضاء فيهم فلم يوح إليه في ذلك شيء حتى حضرته الوفاة فاتاه الوحي في ذلك فقال ‏(‏لا يبقين دينان بارض العرب‏)‏ وأوصى بذلك والشواهد بما ذكرنا كثيرة جدا منها ما ذكره معمر عن بن شهاب عن بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم دفع خيبر إلى اليهود على ان يعملوا فيها ولهم شطرها قال فمضى على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو بكر وصدرا من خلافة عمر ثم اخبر عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في وجعه الذي مات فيه ‏(‏لا يجتمع دينان بارض الحجاز او قال ‏(‏بارض العرب‏)‏ ففحص عنه حتى وجد الثبت عليه فقال من كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليات به والا فاني مجليكم فاجلاهم عمر‏)‏ وقد ذكرنا كثيرا من الاثار بهذا المعنى في ‏(‏التمهيد‏)‏ والحمد لله وليس في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود ‏(‏اقركم الله‏)‏ دليل على ان المساقاة تجوز إلى مجهول او إلى غير اجل لان في قوله اقركم ما اقركم الله دليلا واضحا على ان ذلك خصوص لانه كان ينتظر في ذلك القضاء من ربه وليس كذلك غيره وقد احكمت الشريعة معاني الاجارات وسائر المعاملات وجمهور العلماء بالمدينة وغيرها المجيزون للمساقاة لا تجوز عندهم الا إلى سنين معلومة او اعوام معدودة الا انهم يكرهونها فيما طال من السنين وقد قيل ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم ‏(‏اقركم ما اقركم الله‏)‏ وكان يخرص عليهم لان الله عز وجل - كان قد افاء عليه وعلى من معه خيبر بمن فيها فكانوا له عبيدا كما قال بن شهاب افاءها الله واهلها عليهم فاقرهم فيها صلى الله عليه وسلم ليعملوها على الشطر ومعلوم انه جائز بين السيد وعبده في البيع وغيره ما لا يجوز بين الاجنبيين لان العبد لسيده اخذ ما بيده من المال عند الجميع لا يختلف في ذلك من يراه يملك ومن يقول انه لا يجوز ان يملك واما الخرص في المساقاة فان ذلك غير جائز عند جمهور العلماء لان المتساقيين شريكان فلا يقتسمان الثمرة الا بما يجوز من بيع الثمار بعضها ببعض وبما لم يدخله المزابنة لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ومن قال هذا قال انما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث إلى يهود خيبر من يخرص الثمار عليهم عند طيبها لاحصاء الزكاة لان المساكين ليسوا شركاء متعينين والشركاء اليهود ولو تركوا واكل الثمر رطبا والتصرف فيه بالعطية اضر ذلك بالمسلمين وبسهم المساكين فخرصت عليهم لذلك واهل الاموال امناء في ذلك مع ما وصفنا من قولهم ان اليهود كانوا عبيدا للمسلمين والله اعلم وسنذكر اختلاف قول مالك واصحابه في قسمة الثمار بين الشركاء في رؤوس الشجر عند اختلاف اغراضهم في ذلك في موضعه ونذكر من خالفهم في ذلك ومن تابعه عليه ان شاء الله عز وجل وقد اختلف العلماء قديما في جواز المزارعة والمساقاة فقال مالك المساقاة جائزة والمزارعة لا تجوز وهو قول الليث بن سعد في رواية وقول الشافعي في المزارعة عندهم اعطاء الارض بالثلث او الربع او جزء مما تخرج الارض الا ان مالكا اجاز من المزارعة في الارض البيضاء ما كان من النخل والشجر اذا كان تبعا لثمن الشجر وذلك ان تكون الارض بين النخل الثلث والنخل الثلثين ويكون ما تخرج الارض للعامل او بينهما وقال ابو حنيفة وزفر لا تجوز المزارعة ولا المساقاة بوجه من الوجوه وادعوا ان المساقاة منسوخة بالنهي عن المزابنة وان المزارعة منسوخة بالنهي عن الاجارة المجهولة وكراء الأرض ببعض ما تخرج ونحو هذا وقال بن ابي ليلى والثوري وابو يوسف ومحمد تجوز المساقاة والمزارعة جميعا وهو قول الاوزاعي والحسن بن حي واحمد واسحاق وحجتهم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقى يهود خيبر على شرط ما تخرج الارض والثمرة وسياتي القول فيما يجوز به كراء الارض في باب كراء الارض ان شاء الله عز وجل واختلفوا فيما تجوز فيه المساقاة فقال مالك تجوز المساقاة في كل اصل ثابت يبقى نحو النخل والرمان والتين والفرسك والعنب والورد والياسمين والزيتون وما كان مثل ذلك مما له اصل يبقى وهو قول ابي ثور قال مالك ولا تجوز المساقاة في كل ما يجنى ثم يخلف نحو القصب والموز والبقول لان بيع ذلك جائز وبيع ما يجنى بعده قال مالك وتجوز المساقاة في الزرع اذا استقل على وجه الارض وعجز صاحبه عن سقيه ولا تجوز مساقاته الا في هذه الحال بعد عجز صاحبه عن سقيه قال مالك لا باس بمساقاة القثاء والبطيخ اذا عجز عنه صاحبه ولا تجوز مساقاة الموز والقصب بحال حكى ذلك كله عن مالك بن القاسم وبن وهب وبن عبد الحكم‏.‏

وقال الشافعي لا تجوز المساقاة الا في النخل والكرم لان ثمرهما بائن من شجره ولا حائل دونه يمنع احاطة النظر به قال وثمر غيرهما متفرق بين اضعاف ورق شجره لا يحاط بالنظر إليه قال واذا ساقى على نخل فيها بياض فان كان لا يوصل إلى عمل البياض الا بالدخول على النخل وكان لا يوصل إلى سقية الا بشرك النخل في الماء وكان غير مثمر جاز ان يساقي عليه في النخل لا منفردا وحده قال ولولا الخبر في قصة خيبر لم يجز ذلك لانه كراء الارض ببعض ما يخرج منها وهي المزارعة المنهي عنها قال وليس للعمل في النخل ان يزرع البياض الا باذن ربه فان فعل كان كمن زرع ارض غيره قال ابو عمر ما اعتل به الشافعي في جواز المساقاة في النخل والعنب دون غيرها من الاصول فان ثمرتها ظاهرة لا حائل دونهما يمنع منها لاحاطة النظر اليها ليس بشيء لان الكمثري والتين وحب الملوك وعيون البقر والرمان والاترج والسفرجل وما كان مثل ذلك كله يحاط بالنظر إليه كما يحاط بالنظر إلى النخل والعنب والعلة له ان المساقاة لا تجوز الا فيما يجوز فيه الخرص والخرص لا يجوز الا فيما وردت به السنة فأخرجته عن المزابنة كما اخرجت العرايا منهما وذلك النخل والعنب خاصة بحديث عتاب بن اسيد في ذلك حدثناه خلف بن قاسم حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال حدثنا خالد بن النفر بالبصرة قال حدثنا عمرو بن علي قال حدثني يزيد بن زريع وبشر بن المفضل قالا حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عتاب بن اسيد وامره ان يخرص العنب وتؤدى زكاته كما تؤدى زكاة النخل تمرا ورواه بشر بن منصور عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب بن اسيد فوصله في الظاهر وليس بمتصل عند اهل العلم لان عتاب بن اسيد مات بمكة في اليوم الذي مات فيه ابو بكر الصديق - رضي الله عنه - او في اليوم الذي ورد النعي بموته بمكة وسعيد بن المسيب انما ولد لسنتين مضتا لخلافة عمر - رضي الله عنه فالحديث مرسل على كل حال واجاز المساقاة في الاصول كلها ابو يوسف ومحمد واما الخرص في المساقاة وغيرها للزكاة فأجازه مالك والشافعي والاوزاعي والليث ومحمد بن الحسن وذكر محمد بن الحسن في ‏(‏الاملاء‏)‏ ان ابا حنيفة اجاز الخرص للزكاة خاصة في غير المساقاة وكره الثوري الخرص ولم يجزه بحال من الاحوال وقال الخرص غير مستعمل قال واما على رب الحائط ان يؤدي عشر ما يصير في يده للمساكين اذا بلغ خمسة اوسق وروى الثوري وغيره عن الشيباني عن الشعبي قال الخرص اليوم بدعه وقال داود بن علي الخرص للزكاة جائزة في النخل خاصة دون العنب ودون غيرهما من الثمار ودفع حديث عتاب بن اسيد من وجهين ‏(‏احدهما‏)‏ انه مرسل ‏(‏والثاني‏)‏ انه انفرد به عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري وليس بالقوي قال ابو عمر اكثر العلماء لا يجيزون القسمة في الثمار الا كيلا بعد تناهيها ويبسها وقد أجازها منهم قوم واختلف فيها اصحابنا فذكر بن حبيب ان بن القاسم كان يقول به ورواه عن مالك انه لا تجوز قسمة الثمار في رؤوس النخل والاشجار اذا اختلف حاجة الشريكين الا التمر والعنب فقط واما الخوخ والرمان والسفرجل والقثاء والبطيخ وما اشبه ذلك من الفواكه التي يجوز فيها التفاضل يدا بيد فان مالكا لم يجز قسمتها على التحري وكان يقول المخاطرة تدخله حتى يتبين فضل احد النصيبين على صاحبه قال وقال مطرف وبن الماجشون واشهب لا بأس باقتسامه على التحري والتعديل او على التجاوز والرضا بالتفاضل وهو قول اصبغ قال وبه اقول لان ما جاز فيه التفاضل جاز فيه التحري وذكر سحنون عن بن القاسم عن مالك انه سأله غير مرة عن قسمة الفواكه بالخرص فأبى ان يرخص في ذلك قال وذلك ان بعض اصحابنا ذكر انه سأل مالكا عن قسمة الفواكه بالخرص فأرخص فيه فسألته عن ذلك فأبى ان يرخص لي فيه وقال اشهب سألت مالكا مرات عن تمر النخل والاعناب وغيرها من الثمار تقسم بالخرص فكل ذلك يقول لي اذا طابت الثمرة من النخل وغيرها اقسمت بالخرص واختار هذه الرواية يحيى بن عمر قياسا على جواز العرايا وغيرها بالخرص في غير النخل والعنب كما تجوز في النخل والعنب قال ويجوز بيع ذلك كله بعضه ببعض بخرصه إلى الجذاذ قال ابو عمر اما قوله ويجوز بيع ذلك كله بخرصه إلى الجذاذ فلا اعلم احدا قاله قبل يحيى بن عمر في بيع الثمار بعضها ببعض الا في العرايا خاصة واما في غير العرايا فلا وكيف يجوز ذلك وهو تدخله المزابنه المنهي عنها ويدخله بيع الرطب باليابس وبيع الطعام بالطعام نسيئة وانما اجاز مالك ذلك في العرايا خاصة لما ورد فيها من تخصيص مقدارها من المزابنة قال يحيى بن عمر اشهب لا يشترط في الثمار الا طيبها ثم يقسمها بين اربابها بالخرص ولا يلتفت إلى اختلاف حاجاتهم ورواه عن مالك قال وبن القاسم يقول لا يجوز ان يقتسم بينهم بالخرص الا ان يختلف غرض كل واحد منهم فيريد احدهما ان يبيع ويريد الاخر ان ييبس ويدخر ويريد الاخر ان يأكل فحينئذ يجوز لهم قسمتها بالخرص اذا وجد من اهل المعرفة من يعرف الخرص فان لم تختلف حاجتهم لم يجز ذلك وان اتفقوا على ان يبيعوا او على ان يأكلوا رطبا او على ان يجدوها تمرا لم يقتسموها بالخرص واما الشافعي فتحصيل مذهبه ان الشركاء في النخل المثمر اذا اقتسمت الاصول بما فيها من الثمرة جاز لان الثمرة تبع الاصول بالقسمة والقسمة عنده مخالفة للبيوع قال لانها تجوز بالقرعة والبيع لو وقع بالقرعة لم يجز ‏(‏وايضا‏)‏ فان الشريك يجبر على القسمة ولا يجبر على البيع وايضا فان التحابي في قسمة الصدقة وغيرها جائز وذلك معروف وتطوع ولا يجوز ذلك في البيع ولا يجوز عند الشافعي قسمة الثمرة دون الاصول قبل طيبها بالخرص على حال وتجوز عنده قسمتها مع الاصول على ما وصفنا وقد قال في كتاب الصرف تجوز قسمتها بالخرص اذا طابت وحل بيعها والاول اشهر في مذهبه عند اصحابه قال مالك اذا ساقى الرجل النخل وفيها البياض فما ازدرع الرجل الداخل في البياض فهو له قال وان اشترط صاحب الارض انه يزرع في البياض لنفسه فذلك لا يصلح لان الرجل الداخل في المال يسقي لرضب الارض فذلك زيادة ازدادها عليه قال وان اشترط الزرع بينهما فلا بأس بذلك اذا كانت المؤونة كلها على الداخل في المال البذر والسقي والعلاج كله فان اشترط الداخل في المال على رب المال ان البذر عليك كان ذلك غير جائز لانه قد اشترط على رب المال زيادة ازدادها عليه وانما تكون المساقاة على ان على الداخل في المال المؤونة كلها والنفقة ولا يكون على رب المال منها شيء فهذا وجه المساقاة المعروف قال ابو عمر لم يجز مالك في المساقاة الا ما وردت به السنة فيها والعمل لانها خارجة عن اصول البياعات والاجارات فلم يتعد بها موضعها كسائر المخصوصات الخارجة عن اصولها الاستثناء بها منها وغيره يجيز ان يكون البذر في البياض منهما معا ويقول ذلك ما جوز وابعد من المزارعة عندهما بالثلث وهي كراء الارض ببعض ما تخرجه هذا قول الشافعي واصحابه واما ابو يوسف ومحمد فالمزارعة عندهما بالثلث والربع جائزة وهو قول الليث بن سعد فيما رواه يحيى بن يحيى عنه وهو قول احمد بن حنبل وغيرهم وجائز عندهم المساقاة على النخل والارض نحو مما يخرج هذه وهذه على ما روى في مساقاة خيبر على النصف مما تخرج الارض والنخل وقد تقدم عن ابي حنيفة وزفر انه لا يجوز عندهما المزارعة ولا المساقاة وقد تقدم القول في معنى هذه المسألة كلها والحمد لله قال مالك في العين تكون بين الرجلين فينقطع ماؤها فيريد احدهما ان يعمل في العين ويقول الاخر لا اجد ما اعمل به انه يقال للذي يريد ان يعمل في العين اعمل وانفق ويكون لك الماء كله تسقي به حتى يأتي صاحبك بنصف ما انفقت فاذا جاء بنصف ما انفقت اخذ حصته من الماء وانما اعطي الاول الماء كله لانه اتفق ولو لم يدرك شيئا بعمله لم يعلق الاخر من النفقة شيء قال ابو عمر قول مالك هذا قول حسن وحجته له بذلك وقول الكوفيين نحوه الا انهم قالوا لا يكون ذلك الا بقضاء قاض وحكومة حاكم فان انفق دون قضاء الحاكم رغبة في ان يتميز له ما يريده من عمل حصته كان متطوعا بنفقته ولا شيء له على شريكه ويأخذ حصته كاملة يعتلها معه‏.‏

وقال الشافعي لا يجبر الشريك على الانفاق ويقال لشريكه ان شئت تطوع بالانفاق وان شئت فدع وقضاء القاضي وغيره في ذلك سواء لان ليس لاحد ان يلزم غيره دينا لم يجب عليه بغير رضا منه قال مالك واذا كانت النفقة كلها والمؤونة على رب الحائط ولم يكن على الداخل في المال شيء الا انه يعمل بيده انما هو اجير ببعض الثمر فان ذلك لا يصلح لانه لا يدري كم اجارته اذا لم يسم له شيئا يعرفه يعمل عليه لا يدري ايقل ذلك ام يكثر قال ابو عمر هذا قول كل من يجيز المساقاة انه لا يجوز الا على سنتها وان العمل على الداخل لا رب الحائط والقائم كل ما يحتاج إليه بالمزارعة عند من يجيزها قال مالك وكل مقارض او مساق فلا ينبغي له ان يستثني من المال ولا من النخل شيئا دون صاحبه وذلك انه يصير له اجيرا بذلك يقول اساقيك على ان تعمل لي في كذا وكذا نخلة تسقيها وتأبرها واقارضك في كذا وكذا من المال على ان تعمل لي بعشرة دنانير ليست مما اقارضك عليه فان ذلك لا ينبغي ولا يصلح وذلك الامر عندنا قال ابو عمر تشبيه مالك صحيح لان القول في المساقاة كالمعنى الواحد لا تجوز في واحد منهما الزيادة على الخبر الذي يقع عليه الشرط والعقد فيهما لانه اذا كان ذلك كان الاجر ان يكون ذلك الجزء مجهولا وقد اوضحنا هذا المعنى في القراض والحمد لله كثيرا قال مالك والسنة في المساقاة التي يجوز لرب الحائط ان يشترطها على المساقي شد الحظار وخم العين وسرو الشرب وابار النخل وقطع الجريد وجذ الثمر هذا واشباهه على ان للمساقي شطر الثمر او اقل من ذلك او اكثر اذا تراضيا عليه غير ان صاحب الاصل لا يشترط ابتداء عمل جديد يحدثه العامل فيها من بئر يحتفرها او عين يرفع راسها او غراس يغرسه فيها يأتي بأصل ذلك من عنده او ضفيرة يبنيها تعظم فيها نفقته وانما ذلك بمنزلة ان يقول رب الحائط لرجل من الناس بن لي ها هنا بيتا او احفر لي بئرا او اجر لي عينا او اعمل لي عملا بنصف ثمر حائطي هذا قبل ان يطيب ثمر الحائط ويحل بيعه فهذا بيع الثمر قبل ان يبدو صلاحه وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها قال مالك فأما اذا طاب الثمر وبدا صلاحه وحل بيعه ثم قال رجل لرجل اعمل لي بعض هذه الاعمال لعمل يسميه له بنصف ثمر حائطي هذا فلا بأس بذلك انما استأجره بشيء معروف معلوم قد راه ورضية فأما المساقاة فانه ان لم يكن للحائط ثمر او قل ثمره او فسد فليس له الا ذلك وان الاجير لا يستأجر الا بشيء مسمى لا تجوز الاجارة الا بذلك وانما الاجارة بيع من البيوع انما يشتري منه عمله ولا يصلح ذلك اذا دخله الغرر لان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر قال ابو عمر اراد مالك - رحمه الله - بكلامه هذا بيان الفرق بين المساقاة والاجارة وان المساقاة ليست من الاجارة في شيء فإنها اصل في نفسها كالقراض لا يقاس عنده عليها شيء من الاجارات ان الإجارات عنده بيع من البيوع لا يجوز فيها الغرر وقوله في ذلك كله هو قول جمهور العلماء ومنهم من يأبى ان يجعل الاجارة من باب البيوع وهو قول اهل الظاهر لانها منافع لم تخلق وقد نهى رسول الله عن بيع ما لم يخلق لانها ليست عينا وليست البيوع الا في الاعيان وقالوا الاجازة باب منفرد بسنته كالمساقاة وكالقراض واما قوله في هذه المسألة ‏(‏شد الحظار‏)‏ فروي بالشين المنقوطة وهو الاكثر عن مالك في الرواية ويروى عنه بالسين على معنى سد الثلمة واما بالشين معناه تحصين الزروب التي حول النخل والشجر وكل ذلك متقارب المعنى واما ‏(‏خم العين‏)‏ فتنقيتها والمخموم النقي ومنه يقال رجل مخموم القلب اذا كان نقي القلب من الغل والحسد واما ‏(‏سرو الشرب‏)‏ فالسرو الكنس للحوض وللشرب جمع شربة وهي الحياض التي حول النخل والشجر وجمعها شرب وهي حياض يستنقع فيها الماء حول الشجر ويقال في القليل منها شربات كما قال زهير ‏(‏يخرجن من شربات ماؤها طحل‏)‏ وابار النخل تذكيرها بطلع الفحل وقطع الجريد‏)‏ قطع جرائد النخل اذا كسرت وقد يصنع مثل ذلك بالشجر وهو ضرب من قطع قضبان الكرم و‏(‏جذ الثمر‏)‏ جمعه وهو مثل حصاد الزرع وقطع العنب واختلف الفقهاء في الذي عليه جذاذ الثمر منهما فقال مالك ما وصفنا عليه جماعة اصحابه الا انهم قالوا ان اشترط المساقي على رب المال جذاذ الثمر وعصر الزيتون جاز وان لم يشترطه فهو على العامل ومن اشترط عليه منهما جاز وقال محمد بن الحسن الشيباني والتلقيح والخبط حتى يصير تمرا على العامل فاذا بلغ الجذاذ كان عليهما بنصفين ان كان الشرط نصفين قال ولو ان صاحب النخل اشترط في اصل المساقاة الجذاذ والخبط حتى يصير ثمرا على العامل فاذا بلغ الجذاذ والخبط بعد ما بلغ على العامل كانت المساقاة فاسدة‏.‏

وقال الشافعي ان اشترط المساقي على رب المال جذاذ الثمر او قطف العنب لم يجز فكانت المساقاة فاسدة وانما ‏(‏شد الحظار‏)‏ عند مالك على العامل كما عليه كما وصفنا من ابار النخل وقطع الجريدة ونوى النطيح والخبط حتى يصير تمرا‏.‏

وقال الشافعي كل ما كان داعيته إلى الاستزادة في العدة من اصلاح الماء بطريقه وقطع الحشيش المضر بالنخل ونحوه فشرطه على العامل واما ‏(‏شد الحظار‏)‏ فليس عنه مشترى في الثمن ولا صلاح لها ولا يجوز اشتراطه على العامل وقال محمد بن الحسن لا يجوز اشتراط تنقية المسقاة والانهار على العامل وان اشترط ذلك عليه كانت المعاملة فاسدة قال ابو عمر قول مالك في هذا الباب أولى بالصواب لان ذلك كله عمل في الحائط يصلحه وينعقد وعلى ذلك يستحق المساقي نصيبه من عدمه فأما الذي لا يجوز اشتراطه على العامل مما لا يعود منه فائدة على العامل في حصته ما ينفرد به رب الحائط دونه لانه حينئذ - يصير زيادة استاجره عليها المجهول من الثمن قال مالك السنة في المساقاة عندنا انها تكون في اصل كل نخل او كرم او زيتون او رمان او فرسك او ما اشبه ذلك من الاصول جائز لا باس به على ان لرب المال نصف التمر من ذلك او ثلثه او ربعه او اكثر من ذلك او اقل قال مالك والمساقاة ايضا تجوز في الزرع اذا خرج واستقل فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه فالمساقاة في ذلك ايضا جائزة قال ابو عمر قد مضى القول فيما تجوز فيه المساقاة من الشجر المثمر كله على اختلاف انواعه وما في ذلك بين العلماء من المذاهب وقول ابي يوسف ومحمد في ذلك نحو قول مالك واما المساقاة في الزرع فتجوز عند مالك على ما شرط وذكر في ‏(‏موطئه‏)‏ ولا تجوز عنده اذا لم يعجز صاحبه عن سقيه وقال الليث بن سعد لا يساقي الزرع بعد ان يستقل قال فاما القصب فيجوز فيه المساقاة فان القصب اصل وقال محمد بن الحسن جائز ان يساقي الزرع قبل ان يستحقه ولا تجوز المساقاة عند الشافعي في غير النخل والعنب ولا يجوز عند داود الا في النخل خاصة وقد تقدم ذكر ذلك واختلف اصحابنا في استثناء العامل زرعا يكون بين النخل فروى بن وهب عن مالك ان ذلك جائزن وهو بمنزلة البياض يشترطه العامل لنفسه ذكره بن عبدوس قال وانكر ذلك عليه سحنون الا هاء ولا يجوز له ان يستثني البذر فكيف يستثني الزرع واختلفوا ايضا في مساقاة الموز وقد ذكر بن المواز عن بن القاسم واشهب انهما قالا يجوز فيه المساقاة قال وقد كان بن القاسم اجازه في مجلس ابي زيد وليس بشيء قال ابو عمر قد تقدم عن مالك انه لا تجوز المساقاة في القصب وهو تحصيل مذهبه عند اصحابه الا ما يجوز في الزرع والمقتات ونحوها واختلف الفقهاء في مساقاة البصل فاجازها مالك والشافعي واصحابهما ومحمد بن الحسن والحسن بن حي وذلك عندهم على التلقيح والزبر والحضر والحفظ وما يحتاج إليه من العمل وقال الليث لا تجوز المساقاة في البصل ولا يجاز الا فيما يسقى قال مالك لا تصلح المساقاة في شيء من الاصول مما تحل فيه المساقاة اذا كان فيه ثمر قد طاب وبدا صلاحه وحل بيعه وانما ينبغي ان يساقي من العام المقبل وانما مساقاة ما حل بيعه من الثمار اجارة لانه انما ساقى صاحب الاصل ثمرا قد بدا صلاحه على ان يكفيه اياه ويجذه له بمنزل الدنانير والدراهم يعطيه اياها وليس ذلك بالمساقاة انما المساقاة ما بين ان يجذ النخل إلى ان يطيب الثمر ويحل بيعه قال مالك ومن ساقى ثمرا في اصل قبل ان يبدو صلاحه ويحل بيعه فتلك السماقاة بعينها جائزة قال ابو عمر قد كرر هذا المعنى وهو مفهوم جدا وكل من اجاز المساقاة لم يجزها الا فيما لم يخلق وفيما لم يبد صلاحه من الثمار ويعمل العامل في الشجر من الحفر والزبر وسائر العمل ما يحتاج إليه وتصلح ثمرتها به على حد ما يخرجه الله فيها من الثمر كالقراض يعمل العامل في المال حد ما يرزقه الله فيه من الربح وهذان اصلان مخالفان للبيوع وللاجارات وكل عندنا اصل في نفسه يجب التسليم له والعمل به وذكر بن عبدوس ايضا عن سحنون انه قال لا باس بمساقاة التي يعلم ان يبدو صلاحها لانها اجارة شيء معلوم والعامل في ذلك اجير باجره معلومة قال ابو عمر اذا كان هذا فليست مساقاة وانما الذي يعطيه في عمله من الثمر الذي حل بيعه بمنزلة الدنانير والدراهم كما قال مالك - رحمه الله واما الشافعي فاختلف قوله فمرة قال مثل مالك تجوز المساقاة في الحائط وان بدا صلاحه ومرة قال لا تجوز قال مالك ولا ينبغي ان تساقى الارض البيضاء وذلك انه يحل لصاحبها كراؤها بالدنانير والدراهم وما اشبه ذلك من الاثمان المعلومة قال ابو عمر ظاهر هذا الكلام يدل على انه يخبر ان تكرى الارض بكل ثمن معلوم وليس ذلك بمذهب مالك وانما هو قول الشافعي جائز عنده ان تكرى الارض بكل ما تكرى به الدور والحوانيت من العين المعلوم وزنها والعروض كلها الجائز بيعها في ملكها على سنتها طعاما كانت او غير طعام ان تكون بجزء ما تخرجه يقل مرة ويكثر اخرى وربما لم يخرج شيئا فلا هذا عنده المزارعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال بن نافع جائز كراء الارض بشيء من الطعام والادام وغير ذلك ما عدا الحنطة واخواتها يعني البر والشعير والسلت فانها محاقلة وقال بن كنانه لا تكرى الارض بشيء اذا اعيد فيها نبت ولا باس ان تكرى بما سوى ذلك من الطعام وغيره من جميع الاشياء كلها ما يؤكل وما لا يؤكل ذكر ذلك عنه بن حبيب وقال واما مالك واصحابه بن القاسم واشهب وبن حبيب ومطرف وعبد الله وبن عبد الحكم وأصبغ فانهم قالوا لا تكرى الارض بشيء يخرج منها اكلا ولم يؤكل فلا شيء ما يؤكل او يشرب خرج منها او لم يخرج منها وفي ‏(‏المدونة‏)‏ لابن القاسم عن مالك مثل ذلك ان الارض لا تكرى بشيء من الطعام كان ما يخرج منها او لم يخرج منها كان ما تزرع فيها او لا تزرع ولا من الادام كله قال العسل والسمن واللبن وسائر الادام والطعام كله وذكر بن سحنون عن المغيرة انه كان يقول لا بد من ان تكرى الارض بطعام لا يخرج منها وذكر يحيى بن عمر عن المغيرة انه لا يجوز ذلك قال فاما الرجل الذي يعطي ارضه البيضاء بالثلث او الربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله الغرر لان الزرع يقل مرة ويكثر مرة وربما هلك راسا فيكون صاحب الارض قد ترك كراء معلوما يصلح له ان يكري ارضه به واخذ امرا غررا لا يدري ايتم ام لا فهذا مكروه وانما ذلك مثل رجل استاجر اجيرا لسفر بشيء معلوم ثم قال الذي استاجر الاجير هل لك ان اعطيك عشر ما اربح في سفري هذا اجارة لك فهذا لا يحل ولا ينبغي قال مالك ولا ينبغي لرجل ان يؤاجر نفسه ولا ارضه ولا سفينته الا بشيء معلوم لا يزول إلى غيره قال مالك وانما فرق بين المساقاة في النخل والارض البيضاء ان صاحب النخل لا يقدر على أن يبيع ثمرها حتى يبدو صلاحه وصاحب الارض يكريها وهي ارض بيضاء لا شيء فيها قال ابو عمر الفرق بين المساقاة وكراء الارض البيضاء ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وهي اعطاء الارض بالثلث والربع وساقى اهل خيبر على نصف ما تخرج الثمرة فروى ثابت بن الضحاك ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة وروى يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت له ارض فليزرعها او ليزرعها اخاه ولا يكريها بثلث ولا بربع وروى عطاء عن جابر قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏(‏من كانت له ارض فليزرعها او ليزرعها ولا يؤاجرها‏)‏ وقد ذكرنا الاسانيد في ‏(‏التمهيد‏)‏ وفي حديث جابر ورافع ما يدل على ان النهي عن ذلك كان بعد خيبر لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقاهم على نصف ما تخرج الارض والثمرة على حسب ما كانوا عليه قبل ان ينهى ثم نهى عن ذلك ونهى عن المخابرة وقيل انما فعله بخيبر والله اعلم وقد قيل غير ذلك على ما ذكرناه في ‏(‏التمهيد‏)‏ وما ذهب إليه مالك في كراهية كراء الارض بجزء مما تخرجه هو مذهب الشافعي وقد تقدم ذكر ذلك ولكنا كررناه كما كرره مالك واختلف عن الليثي في المزارعة بالثلث والربع ونحو ذلك فروي عنه كراهتها وروى عنه اجازتها وروي عن يحيي عن الليث بن سعد انه قال انما تكرى الارض بشيء مما يخرج منها اذا كان ذلك ضامنا على المشتري دفع او لم يدفع فاما ان يلزمها ببعض ما يخرج منها ويزرع فيها نصفا او ثلثا او ربعا فذلك حلال قال ابو عمر يقول الليث هذا في اجازته المزارعة بجزء ما تخرج الارض ما يزرع فيها قال بن ابي ليلى والحسن بن حي والثوري والاوزاعي وابو يونس ومحمد واحمد بن حنبل وحجتهم في ذلك حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ساقى اهل خيبر على نصف ما تخرج الارض والثمرة قال احمد هذا حديث صحيح واحاديث رافع مضطربة الالفاظ واحتج غيره على مالك في اجازته المزارعة في الارض بين الشجر اذا كانت الثلث فاقل فان ذلك لو لم يجز منفردا ما جاز بين النخل واذ لم يجز منفردا لم يجز بين النخل قالوا وتوقيت الثلث فما دونه حكم بغير حجة لان التوقيت يحتاج إلى توقيت قالوا وليس في اصول الشريعة ما يبيح العقد الفاسد للضرورة لمن ادعى في ذلك ضرورة فاما قول مالك لا ينبغي لاحد ان يؤاجر نفسه ولا ارضه ولا سفينته الا بشيء معلوم فهذا قول الشافعي والكوفي وقد اجازت طائفة من التابعين ومن بعدهم ان يعطي الرجل سفينته ودابته كما يعطي ارضه بجزء مما يرزقه الله تعالى في الصلاح بها وجعلوا اصلهم في ذلك بالقراض المجتمع عليه قال مالك والامر عندنا في النخل ايضا انها تساقي السنين الثلاث والاربع واقل من ذلك واكثر قال وذلك الذي سمعت وكل شيء مثل ذلك من الاصول بمنزلة النخل يجوز فيه لمن ساقى من السنين مثل ما يجوز في النخل قال ابو عمر قد اختلف في اجل المساقاة وقد ذكرنا ذلك عند قول النبي صلى الله عليه وسلم ليهود خيبر ‏(‏اقركم ما اقركم الله وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال لهم ‏(‏اقركم ما شئنا‏)‏ والمعنى واحد ونعيد هنا منها ذكرا كما اعاده مالك - رحمه الله فنقول ان مالكا والشافعي ومحمد بن الحسن متفقون على اجازة المساقاة سنينا معلومة والمساقاة انما هي عندهم إلى الجذاذ وقد ذكرنا اختلافهم عن العلماء ورب الاصل فيما مضى من هذا الباب واذا كان الاصل في المساقاة إلى الجذاذ قبل ان يبدو في الشجر شيء من الثمر فحكم السنين المعلومات في ذلك حكم السنة الواحدة لانه كله شيء لم يخلق او لم يظهر وقد اجازت طائفة المساقاة إلى غير توقيت من السنين من اهل الظاهر واحتجوا بان رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل اليهود على شطر النخل والزرع ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من غير توقيت وقد مضى القول عليهم فيما تقدم من هذا الباب والحمد لله فان دفع رجل إلى رجل نخلا او شجرا معاملة على جزء معلوم ولم يذكروا وقتا معلوما فقالت طائفة منهم ابو ثور ذلك سنة واحدة وهو يشبه مذهب بن الماجشون فمن اكترى دارا مشاهرة انه يلزمه شهر واحد وقول ابي ثور فيمن ساقى حائضا ولم يذكر في وقت المساقاة مرة معلومة قول حسن قال مالك في المساقي انه لا ياخذ من صاحبه الذي ساقاه شيئا من ذهب ولا ورق يزداده ولا طعام ولا شيئا من الاشياء لا يصلح ذلك ولا ينبغي ان ياخذ المساقي من رب الحائط شيئا يزيده اياه من ذهب ولا ورق ولا طعام ولا شيء من الاشياء والزيادة فيما بينهما لا تصلح قال مالك والمقارض ايضا بهذه المنزلة لا يصلح اذا دخلت الزيادة في المساقاة او المقارضة صارت اجارة وما دخلته الاجارة فانه لا يصلح ولا ينبغي ان تقع الاجارة بامر غرر لا يدري ايكون ام لا يكون او يقل او يكثر قال ابو عمر لا خلاف بين مجيزي المساقاة انه لا يجوز ان تكون من واحد منهما زيادة يزدادها على جزئه المعلوم لانه حينئذ يعود الجزء مجهولا ولا يجوز ان تكون المعاملة على جزء مجهول وانما تجوز على جزء معلوم ثلث او نصف او ربع او نحو ذلك من الاجزاء المعلومات فيما يخرجه إليه في الثمرة وقد ذكرنا ما في هذا المعنى في القراض ايضا قال مالك في الرجل يساقي الرجل الارض فيها النخل والكرم او ما اشبه ذلك من الاصول يكون فيها الارض البيضاء قال مالك اذا كان البياض تبعا للاصل وكان الاصل اعظم ذلك او اكثره فلا باس بمساقاته وذلك ان يكون النخل الثلثين او اكثر ويكون البياض الثلث او اقل من ذلك وذلك ان البياض حينئذ تبع للاصل ثم ذكر إلى اخر الباب هذا المعنى مكررا وشبهه بالسيف والمصحف يكون في احدهما الحلية من الورق فيباع بالورق اذا كان الورق بيعا للنصل والمصحف وكذلك القلادة والخاتم وذلك ان يكون الثلث فادنى على ما ذكر في الارض البيضاء مع الاصول وقد مضى القول في ذلك في البيوع وذكرنا هنالك اختلاف العلماء في ذلك المعنى بين السلف وما جرى مجراه فاما مساقاة الارض البيضاء فقد ذكرنا في هذا الباب اصول اقوال العلماء من اجاز المزارعة جملة ومن اجازها في النخل والشجر لانه يجيز المساقاة ما اغنى عن اعادته وقد ذكرنا الاقاويل بذلك ومن لا يجيز المزارعة مالك والشافعي قد اختلفا على ما ذكرناه عنهما فيما تقدم في هذا الباب بقول مالك ما قد اوضحه في ‏(‏موطئه‏)‏ واما الشافعي فقد ابطل المزارعة في قليل الارض البيضاء لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة الا انه قال واذا ساقاه على نخل فكان فيه بياض لا يوصل إلى عمله الا بالدخول على النخل وكان لا يوصل إلى سقيه الا بترك النخل في الماء وكان غير متميز جاز ان يساقي عليه من النخل الا منفردا وحده ولولا الخبر فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه دفع إلى اهل خيبر النخل على ان لهم النصف من النخل والزرع وله النصف فكان الزرع كما وصفت بين ظهراني النخل لم يجز ذلك قال وليس للمساقي في النخل ان يزرع الارض الا باذن ربها فان فعل كان كمن زرع ارض غيره قال ولا تجوز المساقاة الا بجزء معلوم قل او كثر وان ساقاه على ان له نخلات بعينها من الحائط لم يجز ولو اشترط احدهما على صاحبه صاعا من تمر زيادة لم يجز وكان له اجر مثله فيما عمل‏.‏